في مواجهة كورونا كيف تفوق الاقتصاد الألماني على دول أوروبا | PalForex Social Forex Trading

البيانات الاقتصادية

­ 14:48 2020-09-22

في مواجهة كورونا كيف تفوق الاقتصاد الألماني على دول أوروبا

استطاع الاقتصاد الألماني أن يواجه تداعيات أزمة كورونا بمرونة كبيرة ويتجنب الركود الذي عاشته دول أوروبية عديدة خلال الفترة الماضية، لكنه سيكون في حاجة إلى انتعاش اقتصادات شركائه الكبار في القارة من أجل التعافي بشكل كامل.

في تقرير نشرته مجلة "دير شبيغل" (Der Spiegel) الألمانية، يقول الكاتب كلاوس هيكينغ إن ألمانيا تمكنت حتى الآن من تخطي الأزمة بأخف الأضرار على عكس الاقتصادات الكبرى في القارة، وذلك لعدة أسباب من أبرزها اعتماد الاقتصاد الألماني على الصناعة وبرنامج المساعدات الحكومية وعدم اللجوء إلى الإغلاق الكامل، لكن الوضع يبقى هشا حسب رأيه.

ويرى رئيس معهد كيل (Kiel) للاقتصاد العالمي غابرييل فيلبرماير أن الأزمة الحالية أظهرت حجم التفاوت في النمو الاقتصادي بين دول أوروبا الكبرى، حيث تفوقت ألمانيا بشكل واضح على الآخرين صحيا واقتصاديا، ويوضح أن استقرار معدلات الاستهلاك بألمانيا ساعد في انتعاش الاقتصاد بشكل كبير.

 

ويعلق رئيس معهد ميونيخ (Munich) للأبحاث الاقتصادية كليمنس فويست بأن "ألمانيا واحدة من أفضل الاقتصادات الكبرى في العالم".

لكن ما أسباب تفوق الاقتصاد الألماني على بقية الدول الأوروبية في مواجهة أزمة كورونا؟

 

الاقتصاد الألماني كان أكثر تماسكا قبل الأزمة

يقول رئيس معهد كيل إن أزمة كورونا ضربت أوروبا في ظروف اقتصادية متباينة، إذ كان الاقتصاد الإيطالي يعاني حالة ركود متواصلة منذ عقود، وتعيش إسبانيا على وقع تداعيات أزمة اليورو، وتمر بريطانيا بحالة من عدم اليقين جراء قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، بينما تكافح فرنسا بسبب تعثر برامج الإصلاح الاقتصادي.

أما الاقتصاد الألماني فقد كان بعيدا كل البعد عن هذه المشاكل الهيكلية الخطيرة، وبفضل ما يقارب 10 سنوات من الازدهار الاقتصادي، تمكنت شركات ألمانية عديدة من تحقيق أرباح مكّنتها من تخطي أزمة كورونا بأخف الأضرار.

 

 

سياسة الإغلاق الجزئي

ارتفاع عدد الإصابات اليومية بفيروس كورونا خلال الموجة الأولى في إسبانيا وإيطاليا، جعل حكومتي البلدين تتخذان قرارا بفرض الإغلاق الكامل لمنع تفشي الوباء، وهو ما أصاب الاقتصاد بالشلل لعدة أسابيع، وقد اتخذت الحكومة البريطانية قرار الإغلاق في وقت لاحق، لكنه استمر لفترة أطول وتسبب بخسائر اقتصادية أكبر.

أما في ألمانيا، فإن الفيروس لم ينتشر بشكل كبير، لذلك فإن الشركات لم تخضع لإجراءات إغلاق صارمة.

 

ويقول فويست إنه "على عكس فرنسا مثلا، لم نشهد في ألمانيا إغلاقا كاملا، باستثناء قطاع صناعة السيارات، وواصلت شركات كثيرة عملها بشكل أو بآخر".

 

الاعتماد على الصناعة

أدى انهيار قطاع السياحة عالميا إلى تراجع اقتصادات فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، والتي تعتبر من أهم الوجهات السياحية الأوروبية، في المقابل، لم يتأثر الاقتصاد الألماني كثيرا لأن قطاع السياحة لا يشكل الأهمية ذاتها مقارنة بالقطاع الصناعي الذي مكّن ألمانيا من الصمود في وجه الأزمة.

ويؤكد فويست أن الصادرات الصناعية الألمانية بدأت تتعافى بشكل سريع رغم أنها لم تبلغ مستوياتها قبل عام من الآن، موضحا أن أحد أهم ميزات الصناعة الألمانية هو المرونة، "فإذا ساءت الأمور في سوق ما، فإنها تفتح أسواقا أخرى خاصة في أوروبا الشرقية".

ويضيف فويست أن من نقاط قوة الصناعة الألمانية تنوع الصادرات، فمع التراجع الذي شهده قطاع السيارات والهندسة الميكانيكية، شهدت صادرات الصناعات الدوائية نموا مطردا.

 

الدعم الحكومي للأفراد والشركات

من العوامل الأخرى التي أدت إلى صمود الاقتصاد الألماني في وجه الأزمة، كما يقول الكاتب، هو أن الحكومة الألمانية كانت سخية جدا مع العمال والشركات، إذ اعتمدت نظام الدوام الجزئي الذي يقوم على تقديم جزء كبير من الرواتب للعمال مع أوقات عمل أقل، ولتشجيع المستهلكين على مواصلة الإنفاق، خفّضت الحكومة الفدرالية وبقية الولايات من ضريبة القيمة المضافة.

أما في بريطانيا، فإن الحكومة تعتزم إيقاف برنامج العمل بدوام جزئي آخر، وهو ما قد يؤدي إلى أزمة بطالة حادة، كما أن المساعدات الحكومية في إسبانيا وإيطاليا أقل بكثير مما خصصته ألمانيا من مبالغ لتخطي الأزمة.

الدعم الحكومي للأفراد والشركات

من العوامل الأخرى التي أدت إلى صمود الاقتصاد الألماني في وجه الأزمة، كما يقول الكاتب، هو أن الحكومة الألمانية كانت سخية جدا مع العمال والشركات، إذ اعتمدت نظام الدوام الجزئي الذي يقوم على تقديم جزء كبير من الرواتب للعمال مع أوقات عمل أقل، ولتشجيع المستهلكين على مواصلة الإنفاق، خفّضت الحكومة الفدرالية وبقية الولايات من ضريبة القيمة المضافة.

أما في بريطانيا، فإن الحكومة تعتزم إيقاف برنامج العمل بدوام جزئي آخر، وهو ما قد يؤدي إلى أزمة بطالة حادة، كما أن المساعدات الحكومية في إسبانيا وإيطاليا أقل بكثير مما خصصته ألمانيا من مبالغ لتخطي الأزمة.

 

الوضع لا يزال هشا

على الرغم من المؤشرات الإيجابية الكثيرة، مثل تعافي مؤشر "داكس" الألماني للأسهم الذي عوّض خسائره من الموجة الأولى، وإنقاذ شركة "لوفتهانزا" (Lufthansa) -أكبر شركة طيران ألمانية- من الأزمة الحادة التي واجهتها، وتراجع عدد الشركات المفلسة، وانخفاض معدلات البطالة بشكل نسبي، فإن الاقتصاد الألماني ليس في مأمن من تداعيات أزمة كورونا.

ويؤكد الكاتب أن البورصة الألمانية ما زالت في حالة من عدم الاستقرار، كما أن شركة "لوفتهانزا" قد تستغني عن عدد كبير من الموظفين، ويخشى الخبراء من موجة إفلاس حادة بمجرد أن تضطر الشركات المثقلة بالديون إلى إعلان إفلاسها.

 

ويرى فويست أن تعافي الاقتصاد وعودته إلى ما كان عليه قبل أزمة كورونا لن يكون قريبا.

كما أبدى فيلبرماير دهشته من موجة التفاؤل العارمة قائلا إن "من الصعب أن نفهم لماذا تقيّم الشركات الوضع كما فعلت في أغسطس/آب من العام الماضي. (حقيقة) التفاؤل في ألمانيا مبالغ فيه، فشركات عديدة تبدو في وضع جيد ظاهريا، لكن استثماراتها منخفضة، لذلك فإن الأمر يبدو مقلقا، حتى في ألمانيا".

ويخلص الكاتب إلى أن الاقتصاد الألماني نجح بالفعل في امتصاص التداعيات الخطيرة لأزمة كورونا، لكنه لن يتمكن من التعافي بشكل كامل بمفرده، وقد يواجه مشاكل كبيرة إذا لم يتمكن الشركاء الكبار، مثل فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وإسبانيا من تجاوز الأزمة.